المترجم العبراني الذي استعاد نهج حُنَيْن

في مقالة على موقع مجلة رمان الثقافية، يستعرض الكاتب والمترجم اياد برغوثي كتاب بروفيسور يهودا شنهاف-شهرباني الجديد “العاملون في الترجمة”. يتناول الكتاب بعض الجوانب من تاريخ الترجمة ومفاهيمها ويعيد قرائتها ليقدم توجهات فكرية جديدة في حقل الترجمة من العربية الى العبرية اليوم.

“في هذا المقال، الذي أعددته ليندرج في ملف الترجمة بمجلة “رمّان” الثقافيّة، أريد أن أستعرض بعضًا من جوانب كتاب جديد لشهرباني، اسمه “العاملون في الترجمة”، والذي سيصدر هذا الصيف باللغة العبريّة، والذي يشكّل برأيي مساهمة سوسيولوجيّة نقديّة هامّة لإعادة قراءة تاريخ الترجمة ومفاهيمها ونماذج عملها، بشكل عامّ، وللتعرّف إلى التوجهات الفكريّة الجديدة للتجارب المغايرة في الترجمة من اللغة العربيّة إلى اللغة العبريّة.

في مقدمة الفصل الثاني من الكتاب، يستحضر شهرباني شخصيّة حُنَيْن بن إسحق العبادي، الطبيب والعالم وشيخ المترجمين ومسؤول بيت الحكمة في بغداد زمن الخليفة العباسيّ المأمون، أي في القرن التاسع الميلاديّ. أجاد حُنَيْن اللغات الأربع الأهمّ في زمنه: اليونانيّة، والسريانيّة، والفارسيّة والعربيّة، وأنتج ترجمات لكتب في الطبّ والفلسفة والفلك. طوّر حُنَيْن مع مجموعة من تلاميذه نموذج ترجمة مشتركة فريدًا من نوعه، حيث تُظهر وثائق من تلك الحقبة كيف عملت مجموعة حُنَيْن: كان يبدأ بنفسه بترجمة مخطوطة من اليونانيّة إلى السريانيّة، وأحد تلاميذه يترجمها من السريانيّة إلى العربيّة، وبالموازاة يعطي فريقًا آخر مخطوطة أخرى، ويتنقّل بين فرق مجموعته يصلح الأخطاء ويجد الحلول، وكان يتشاور مع المترجمين لإيجاد مرادفات عربيّة لمصطلحات يونانيّة.

يستعيد شهرباني نهج حُنَيْن، كما يستعيد “التراث الأندلسيّ”، كنموذجين مثاليّين عن مشاريع الترجمة التي غصّت بها العصور القديمة والوسطى والتي تمّت فيها الترجمة الجماعيّة من خلال الحوار المتبادل والسفر في الحيّز وفي ظروف تعدّد اللغات واللهجات- مثل نسخة الملك جيمس للكتاب المقدس، والترجمات الصينيّة للكتب الهنديّة المقدّسة، ليضعها في مقابل نماذج الترجمة التي تطوّرت وتحوّلت في العصر الحديث.

يصف شهرباني هذا التحوّل في القسم الأول من الكتاب، ويستعرض الأسباب والظروف التي غيّرت حرفة الترجمة في العصر الحديث ورسّختها كمهنة فردانيّة معدومة الحوار والتبادليّة. يتعقّب شهرباني هذا التحوّل من خلال ما يسميه تصدعين معرفيّين: التصدّع الأول هو فردنة العمل والولاء للّغة القوميّة، أمّا الثاني، فهو فصل الشفهيّ عن النصيّ في الترجمة، وتفضيل المكتوب الصامت على الشفهيّ التفاعليّ. أدى هذان التصدّعان إلى انكماش مشروع الترجمة وإلى تحوّل في مبناه السوسيولوجيّ؛ إلى فعل يُنّفذ في الحيّز الخاص، بنموذج مبني على مترجم واحد، ونسخة واحدة ولغة واحدة.

كذلك، يدّعي شهرباني أنّ النظريات الكلاسيكيّة المسماة “دراسات الترجمة” (translation studies) ترتكز إلى علم اللسانيّات وفقه اللغة وعلم التأويل، وتتأسّس أصلًا على مبدأ “الفردانيّة المنهجيّة” التي بحسبها يفسّر فرد بنفسه النصّ الأصليّ، ويتحكّم بتأويل النصّ وحده ويكتبه من جديد كأنّه كتب بالأصل في اللغة المترجَم إليها، وهي نظريات تنعكس فيها فردنة الترجمة من خلال خطاب نفسيّ يتضمّن مصطلحات مثل الإخلاص والخيانة، الحب والكراهية، الكآبة والحِداد، وما إلى ذلك.”

تابعوا قراءة المقالة على موقع مجلة رمان الثقافية هنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *