يلقون علينا النابالم ونحن نرشهم بالزعتر(!)

نصان قصيران للكاتب الفلسطيني الراحل سلمان ناطور.

زعتر في باريس

عدت إلى بلدي وإلى جدتي وجدي في مقهى يغص بالباريسيين جادة سانت جيرمان.

جلست أراقبهم بنظراتي الشرقية المشبوهة وأعود إلى حكواتي بلدنا

يروي عن عنترة وأبي زيد الهلالي كأنه ممثل مونودراما

يلتف حوله الناس وينتظرون بترقب نتائج المبارزة على قلب عشيقة صحراوية وعلى بطولة العروبة والعرب.

قلت لصديقي الباريسي: مدينتكم أعادتني إلى بلدي

قريتي الصغيرة

أشعر وكأنني فيها

جسدي هنا وقلبي هناك

ضحك صديقي ملء شدقيه وقال:

ما تجده في باريس لن تجده في أي مكان آخر في العالم

فما بالك في قرية لا تظهر على خريطة؟

تبجحت أمام صديقي بين مازح وجاد:

في بلدنا تجد كل شيء

هل يوجد في باريس زعتر وعكوب؟

هز رأسه واثقا من النفي

شعرت أنني انتصرت عليه بضربة قاضية

كيف لا؟

نحن جعلنا من الزعتر سلاحا نواجه به الأمم الاستعمارية قاطبة

يلقون علينا النابالم ونحن نرشهم بالزعتر..

***         ***        ***

دالية الكرمل زاوية لندن

ولد صديقي في نابلس وترعرع في عمان في كنف عائلة ثرية

وتعلم في لندن إدارة الأعمال والتجارة ويدير هناك أعمال عائلته

قال لي:

أنت من دالية الكرمل

أليس كذلك؟

قلت:

نعم

قال:

هل يهمك أن ترى في لندن صورة لقريتك من قبل ستين عاما؟

قلت:

سوف تذهلني

سرت في جلدي قشعريرة حين سحب من حقيبته صورة عتيقة ظهر

فيها ثلاثة شيوخ يجلسون على مقاعد حجرية وأمامهم فناجين القهوة

وقمقم النحاس وفي يد كل منهم مسبحة

كانوا ينظرون إلى المصور كأنهم يتساءلون:

ماذا يريد هذا الغريب؟

حاولت أن أعرف من يكونون من ختيارية البلد، فلم أفلح،

وكان واضحا لي أنهم جلسوا في ساحة الحارة الغربية

على الصورة كتب بالإنجليزية:

دالية الكرمل، ثلاثة شيوخ لا يفعلون شيئا

(Three old men. They do nothing)

سألت صديقي الفلسطيني:

من أين لك هذه الصورة؟

اشتريتها في لندن

في أيام الأحد تعرض للبيع تحف وطوابع وصور عتيقة

من مخلفات الأجداد الإنجليز

يبدو أنها لا تثير اهتمام الأحفاد

يعرضونها للبيع

ربما أن سائحا إنجليزيا كان زار قريتكم والتقط الصورة

قلت:

غریب

كيف اختار هذا الإنجليزي أن يصور ثلاثة شيوخ لا يفعلون شيئا؟

وأنت؟

لماذا اخترتها عن سواها من مخلفات هذا الانجليزي ؟

قال:

لأنني أحن إلى هذا الجيل

هنا في لندن وهناك في عمان

في نابلس وقبلها

في الخيرية

بلدنا

والدي كان دائما يحدثني عنها

كأنني عشت معهم.

في ذهني صورة لبيوتها وشوارعها ومدرستها

حدثني أبي عن لون الشبابيك

عن الحبق عند مطلع الدرج

سألت صديقي الفلسطيني:

هل تعرف ماذا أصبحت الخيرية؟

أعرف

أعرف تماما

لا بد أنك في طريقك إلى هنا مررت بأرضنا وحلقت في سمائها

هل بقي بيت من حجر وفي ساحته شجرة سدر وارفة؟

*ترجمت النصوص الى العبرية ضمن مجموعة “ماش على الريح” التي صدرت عن سلسلة مكتوب عام ٢٠١٧. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *